عندما قامت إدارة بوش ومنتقدوها الأسبوع الماضي بتصعيد السجال الدائر حول المدة التي يجب أن تبقاها القوات الأميركية في العراق، فإنني كنت قادراً على رؤية الموضوع بعيون أصدقائنا في منطقة الخليج العربي· فالدول العربية في تلك المنطقة تتفق على شيء واحد، وهو أن إيران تظهر الآن باعتبارها أكبر المستفيدين من الغزو الأميركي، وهي نقطة لم تنتبه إليها استراتيجية الرئيس بوش الجديدة، كما لم تنتبه إليها أيضا استجابة الحزب ''الديمقراطي'' للموضوع وهو ما يمثل، في الحقيقة، سهواً خطيراً· وعلى الرغم من أن هذا التحليل للوضع في العراق قد جاء بمثابة الصدمة إلا أن مما يؤسف له أنه حقيقي·
وفي الوقت الذي كان فيه الجنود الأميركيون يقاتلون ويموتون ضد المتمردين السُنة والجهاديين الأجانب، نجح رجال الدين الشيعة في العراق في تحقيق أهداف سياسية جوهرية، واستولوا على عائدات النفط، وعززوا من دور الإسلام في الدولة، وبنوا مليشيات رهيبة للدفاع عن مكتسباتهم، ودفع قضاياهم قدما إلى الأمام، عندما يقوم الأميركيون بتقليل قواتهم تدريجياً والرحيل عن البلاد في نهاية المطاف· وعندئذ سيجد جيران العراق أنه أصبح يتحول إلى دولة يهيمن عليها الشيعة، وتعمل كحاجز بين إيران والعالم السُني، وتؤدي إلى تقوية نفوذ إيران في الخليج العربي، في الوقت الذي تقوم فيه طهران بالسعي إلى الحصول على أسلحة نووية، وإلى زيادة حدة الخطاب المعادي لإسرائيل·
والنهج الأميركي المتبع يظهر إحساساً محدوداً للغاية بتاريخ وسياسات الشرق الأوسط؛ فكما شرح لي أحد الأكاديميين الكويتيين، فإن أفضل طريقة للتعامل مع الأعداء في العالم العربي هي محاولة استيعابهم لأنك لن تستطيع أن تنجح في قتلهم جميعاً· ولو حاولت ذلك فسوف تضاعف من عدد أعدائك· بدلاً من ذلك يجب أن تحاول استمالتهم كي يعاودوا الانضمام للمجتمع والحكومة· والضغط العسكري إذا ما استخدم، يجب أن يُستخدم بطريقة محسوبة كي يساعد في عملية الاستمالة· وإذا ما كان التحليل الذي ذكرناه في بداية المقال صحيحاً -وليس من السهل الدفع بغير ذلك- فإننا يجب أن نعمل على مواجهة تداعياته· إن ''البقاء على الدرب ومواصلة المهمة'' يعرضنا لخطر هو أن رحيل قواتنا من العراق سيكون بطيئاً ومكلفاً للغاية، في الوقت الذي سيزداد فيه العراق طائفية ويزداد اصطفافاً مع إيران· من ناحية أخرى نجد أن الانسحاب الأكثر سرعة وفقا لجدول زمني -كما يدعو إلى ذلك بعض ''الديمقراطيين''- لن يؤدي سوى إلى تقليص قدرتنا على التأثير على محصلة، وعلى الأخطار التي يمكن أن تنتج عن اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً·
نحن بحاجة إلى إبقاء قواتنا في العراق، ولكننا بحاجة أيضاً إلى تعديل استراتيجيتنا هناك بشكل جذري، وعلى نحو يفوق ما دعا إليه الرئيس بوش الأسبوع الماضي· فمن الناحية العسكرية، يجب على القوات الأميركية والعراقية أن تحقق المزيد من السيطرة على حدود البلاد· ليس فقط الحدود مع سوريا ولكن أيضا الحدود الشرقية المقابلة للجانب الإيراني· والاستراتيجية الحالية التي تقوم على تطهير المناطق القريبة من سوريا من المتمردين، ثم القيام بعد ذلك بوضع قوات عراقية في تلك المناطق مدعومة بوحدات أميركية متنقلة قد حققت نجاحا، إلا أنها بحاجة إلى التوسع ناحية المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البلاد، حيث تنشط حركة عبور مستمرة للحدود من إيران، وحيث سيمكن اختبار مدى ولاءات القوات العراقية في تلك المناطق تحديداً· نحن بحاجة إلى حشد ما بين ثلاثة إلى أربعة ألوية أميركية، تضم حوالى 20 ألف جندي مزودين بإمكانيات استطلاع جوي كافية، لتقديم التدريب والإشراف والدعم على امتداد الحدود العراقية المكشوفة التي تمتد لعدة آلاف من الأميال· وحتى بعد أن تفعل قواتنا ذلك فإنها لن تكون قادرة على إغلاق الحدود أمام المتسللين تماما، ولكنها ستجعل عملية اختراق الحدود أكثر صعوبة فقط· علاوة على ذلك يجب علينا أن نواصل جهودنا العسكرية ضد معاقل وقواعد المتمردين في المناطق السُنية بالتعاون مع القوات العراقية· وسيتطلب هذا على مدار عام تقريباً ما بين أربعة إلى ستة ألوية مقاتلة بالإضافة إلى احتياطي عملياتي بحيث يصل العدد الإجمالى إلى 30 ألـــف مقاتــل· ولكن هذه الجهود يجب أن تتم بالتزامن مع جهود مكثفة للتواصل مع المتمردين العراقيين، سعيا لإعادة دمجهم في المجتمع، والحصول على مساعدتهم في استئصال بقايا الجهاديين الإسلاميين· ومن المعروف أن المسؤولين الأميركيين والعراقيين، قد أجروا لقاءات متقطعة مع زعماء التمرد· ولكن تلك اللقاءات يجب أن تكون متبوعة بمناقشات أكثر عمقا لموضوعات مثل منح العفو للمتمردين الذين يقومون بإلقاء السلاح، مع منحهم فرصا للمزيد من المشاركة في الحياة العامة والخاصة·
أما الدولة العراقية من جانبها، فيجب أن تعمل على فرض الحظر على نشاط المليشيات المسلحة المنصوص عليه في الدستور الجديد، خصوصا في الجنوب· والأسلوب النموذجي للقيام بذلك هو الأسلوب التطوعي